سورة الشعراء - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (35) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (40) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (41) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)} [الشّعراء: 26/ 32- 42].
عرض موسى عليه السّلام على فرعون إثبات صدق ادّعائه النّبوة والرسالة بالمعجزة الخارقة للعادة، بتأييد الله وإيجاده، فقبل فرعون الطلب، مضمرا إبطاله أو خرقه والتهوين به، فألقى موسى عصاه التي كان يتوكّأ عليها، فانقلبت ثعبانا واضح الملامح، ظاهر الحركة، من غير لبس ولا تمويه، والثعبان أعظم الحيّات، ثم عادت عصا كما كانت.
ونزع موسى يده من جيبه، فإذا هي تتلألأ للناظرين كأنها قطعة من الشمس، فلما رأى فرعون ذلك هاله، ولم يجد مدفعا له، غير أنه بادر إلى رميه بالسحر، وطمع- لعلوّ علم السّحر في ذلك الوقت وكثرته- أن يجد في السّحر سببا لمقاومة موسى عليه السّلام. ثم حاول فرعون تشوية وضع موسى، والتحريض عليه، وحمل قومه على تكذيبه، فذكر أمورا ثلاثة:
1- قال لحاشيته من القادة والأشراف: إن هذا الرجل لبارع في السّحر، وفعله هذا نوع من السّحر.
2، 3- وإنه يريد إخراجكم من بلادكم، والتّغلب عليكم بسحره، وإثارته الفرقة بينكم، فأشيروا علي ماذا أصنع به؟ وأغراهم به، وحرّضهم على إبعاده، والتّخلص منه.
فأشاروا عليه بتأخير أمره وأمر أخيه، وجمع السحرة لمقاومته، من طريق طلب مهرة السّحرة وأساطينهم، وتجميعهم من أنحاء البلاد، فيأتونك بكل خبير ماهر في السّحر، فيقابلون موسى بنظير ما جاء به. ولم يشيروا بقتله لأن حجّته نيّرة، وضلالتهم في ربوبية فرعون واضحة، فخشوا الفتنة بالمناظرة، وطمعوا بحجّة تقنع العوام. والسّحّار: بناء للمبالغة لكلمة ساحر. وكان ذلك تدبيرا وإلهاما إلهيّا لتظهر حجة موسى عليه السّلام، ويتغلّب على كل من ناوأه أو عارضة.
فجمعت السّحرة في موعد يوم معلوم: هو يوم الزينة: وهو يوم عيد شهير عندهم. وكان السّحرة أسحر الناس وأعلمهم وأعرفهم بفنّ السّحر، وكانوا فئة متنوّرة مثقّفة بين الناس، وجمعا كبيرا.
وطلب فرعون من الناس الاجتماع، وحثّهم أي فرعون على الحضور، لمشاهدة المبارزة بين الجانبين، ظنّا من فرعون بالغلبة، وأراد القوم ذلك الموقف، ورغب موسى عليه السّلام في هذا التّجمع، لتعلو كلمة الله، وتتغلب حجة الله على حجة الكافرين.
وقال قائلهم: إنا لنرجو أن يتغلب السّحرة، فنستمرّ على دينهم، ولا نتّبع دين موسى. ولما قدم السّحرة إلى مجلس فرعون، قالوا: هل لنا من أجر مالي أو غيره إن انتصرنا على موسى؟ قال: نعم، لكم الأجر، وزيادة على ذلك أجعلكم من المقرّبين عندي ومن جلسائي، ويلاحظ أنهم ابتدؤوا بطلب الجزاء وهو إما المال وإما الجاه، فبذل فرعون لهم كلا الأمرين.
ولكن تدبير الله فوق كل تدبير، وكان الفوز لموسى عليه السّلام في صميم الحال العامة التي توقع فيها فرعون وقومه إنزال الهزيمة الساحقة بموسى، وإنهاء شأن دعاويه ومحاولاته حمل القوم على رسالته، ولكن قد يؤتى الحذر من مأمنه، وهكذا حدث.
4- المبارزة بين موسى عليه السّلام والسّحرة:
كانت الحسابات المتوقعة في منطق القوة التي لا تعتمد على شيء من الإيمان أن موسى عليه السّلام سينهزم، وأن السّحرة سيتغلّبون، ولكن في منطق الإيمان بالله ربّ العالمين تتغيّر كل الحسابات، وتنقلب الموازين، وكان لترتيب المبارزة أثر كبير في قلب الأوضاع، حيث أدّت مهارة موسى عليه السّلام وتوفيقه من ربّه، بتقديم فعل السّحرة أولا، وتأخّر فعل موسى، إلى نجاح كبير، وحدث ما لم يتوقعه أحد، وهو إيمان السّحرة بربّ العالمين، ربّ موسى وهارون. وفي ذلك النجاح الباهر حدث كبير، يهزّ مشاعر النفوس المؤمنة، ويدفع أهل الإيمان إلى شدّة الثبات على العقيدة وزيادة الإيمان، كما يخدش كبرياء المتغطرسين الذين يفتقدون معيار الإيمان، ولا يدركون معناه. قال الله تعالى مبيّنا هذا المشهد العجيب:


{قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)} [الشّعراء: 26/ 43- 51].
ابتدأ الحوار بين موسى عليه السّلام والسّحرة عن أيهما البادئ بالفعل، فقدّمهم موسى، قائلا لهم: ألقوا ما تريدون إلقاءه من العصي والحبال، ثقة وإيمانا منه بأن الله غالبة ومؤيّده، ويجعل ما يلقونه طعمة لعصاه الثعبان المبين. فألقوا ما معهم من الحبال المطلية بالزّئبق والعصي المحشوة به، وقالوا: بعزّة فرعون- أي بقوته وجبروته- إنا لنحن الغالبون.
ولما حميت الشمس، تحركت العصي والحبال، وخيّل إلى موسى أنها تسعى، وسحروا أعين الناس، واسترهبوهم، وجاؤوا بسحر عظيم.
ثم ألقى موسى عصاه، فانقلبت ثعبانا عظيما، فابتلعت كل ما وجدته في حلبة المبارزة من عصي وحبال. {وتَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ} معناه: تبتلع ما يكذبون معه وبسببه.
فخرّ السّحرة ساجدين لله تعالى بلا مبالاة ولا شعور، لأنهم أدركوا أن ما فعله موسى فوق قدرة البشر، وأنه من فعل الله تعالى ربّ موسى وهارون، وأما فعلهم:
فهو مجرد تمويه وتزييف وتخييل. ونائب فاعل {فَأُلْقِيَ} هو الله عزّ وجلّ. ورأوا أن الغنيمة هي الإيمان والتّمسّك بأمر الله عزّ وجلّ، فسجدوا كلهم لله تعالى مقرّين بوحدانيته وقدرته، ووصلوا إلى إيمانهم بسبب موسى وهارون عليهما السّلام، وقالوا: صدّقنا واعترفنا بالله ربّ العالمين، وأكّدوا ذلك بأنه هو ربّ موسى وهارون، غير آبهين بعزة فرعون وجبروته. وهذا دليل على إسقاط ألوهية فرعون وربوبيته.
ولما رأى فرعون والملأ إيمان السّحرة، وقامت الحجة بإيمان أهل علمهم ومظنّة نصرتهم، وقع فرعون في الورطة العظمى، فوقف موبّخا لهم على إيمانهم بموسى قبل إذنه، وقال: أتؤمنون بموسى قبل استئذاني، وكيف تعصون أمري، وأنا الحاكم المطاع؟
وأضاف فرعون قائلا: وإنكم فعلتم ذلك بتواطؤ بينكم وبينه، ولم تقوموا بمقتضى السّحر، ليتغلّب موسى. وهذا تلبيس على القوم، لئلا يعتقدوا أن إيمان السّحرة حقّ.
ولسوف تعلمون وبال فعلكم، ومدى عقابكم. وهذا تهديد ووعيد.
وإني لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف، بقطع اليد اليمنى، والرّجل اليسرى، ولأصلبنكم في جذوع النّخل بعد ذلك. فأجابوه قائلين: لا ضير، أي لا حرج ولا ضرر علينا من ذلك، ولا نبالي به، فكل إنسان ميت ولو بعد حين، ومرجعنا إلى الله عزّ وجلّ، وهو سبحانه لا يضيع أجر المحسنين. وهذا لبّ الإيمان وإخلاص اليقين الذي لا شائبة فيه من رغبة في نفع، أو رهبة من عقاب، والمراد: فلا يضيرنا ذلك مع انقلابنا إلى مغفرة الله ورضوانه: وروي: أن فرعون أنفذ فيهم ذلك الوعيد، وصلبهم على النيل.
وأضاف السّحرة قائلين: وإننا نرجو أن يغفر الله لنا ذنوبنا وسيّئاتنا بفعل السّحر، لأجل كوننا أول أفواج أهل الإيمان الذين شهدوا هذا الموقف، من القبط وصنيعتهم.
وهذا الموقف المشهود لإيمان السحرة سيظل مبعث تخليد وتقدير، فرحم الله سحرة فرعون ورضي الله عن أولئك الذي انقلبوا في مشهد رهيب قادة أهل الإيمان، وقمة الشهداء البررة في سبيل العقيدة الحقّة بالله عزّ وجلّ.
5- نجاة موسى وإغراق فرعون:
دقّ ناقوس الخطر بعرش فرعون ونهاية عهد الفراعنة بمصر، بعد انتشار الطغيان والفساد، وتأليه الظالم الجبار فرعون، لأنهم اعتمدوا على القوة البشرية الذاتية، ناسين الله وقدرته وتدبيره. وتهيأ الأمر لإنجاء بني إسرائيل، بعد أن ظلوا ردحا من الزمان عبيدا وخدما لقوم فرعون. وانتشر الرّعب والخوف من إدراك جيش فرعون للإسرائيليين الفارّين من مصر، وظهر صوت الحق والإيمان على لسان موسى عليه السّلام، وحدثت المعجزة الغريبة بانفلاق البحر لقوم موسى وإنجائهم، ثم إطباق البحر على فرعون وجنوده وإغراقهم، فهل من مصدّق؟ نعم، ليس أدلّ على التصديق من الواقع المشاهد الذي وصفه القرآن العظيم في الآيات الآتية:


{وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)} [الشّعراء: 26/ 52- 68].
لما أراد الله تعالى إنجاء بني إسرائيل وإغراق فرعون، أمر موسى عليه السّلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلا باتّجاه البحر، وأخبره أنهم سيتبعون من أعدائهم فرعون وقومه، فخرج موسى وقومه.
فلما علم فرعون في الصباح بخروج بني إسرائيل، اغتاظ وغضب، فأرسل في مدائن مصر من يحشر الجند (يجمعهم) مستخدما أسلوب التعبئة المعنوية والمادية لتحريض قومه على الخروج معه، واصفا الإسرائيليين بأنهم جمع قليل محتقر، وإنهم مصدر نكد وإغاظة لنا بأخذهم المال وهروبهم ليلا، فإنهم قد ذهبوا بأموالنا باستعارة حلي القبط وأموالهم، وإننا قوم نحذر المخاطر، ونستعدّ لإبادتهم بالسلاح.
وألهم الله قوم فرعون بضرورة الخروج، وأخرجهم مما كانوا يتمتعون به من بساتين خضراء، ورياض غنّاء، وأنهار وعيون جارية الماء، وكنوز ذهبية مخزونة، ومنازل عالية. وكان هذا الأمر حقّا، وكان إخراج الله لهؤلاء كما وصف سبحانه، وورّث بني إسرائيل ثرواتهم، فتابع قوم فرعون الإسرائيليين، ولحقوا بهم مشرقين عند شروق الشمس على خليج السويس من البحر الأحمر.
فلما رأى كل من الجمعين صاحبه، قال الإسرائيليون: إن القوم لحقوا بنا، وسيقتلوننا، ولن يبقى منا أحد. فهدّأ موسى عليه السلام نفوسهم قائلا: كلا، لن يحدث ما تتوقعون من الهلاك، ولن يدركونا، وإن معي ربّي بالحفظ والنصر، سيهديني إلى طريق النّجاة والخلاص منهم. وهذا موقف إيماني بارز يدعو للإيمان التام بوجود الله وقدرته على كل شيء.
وأوحى الله بأمره إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فضربه بها، فانفلق بقدرة الله تعالى واختراعه، اثني عشر طريقا، وصارت كل قطعة من الماء المحجوز المتجمد عن الحركة كالجبل الشامخ، وجفّف الله الطرق والممرات البحرية بالشمس والهواء، بعدد أسباط بني إسرائيل وفرقهم، لكل سبط منهم طريق. وأزلفنا، أي قرّبنا من البحر هنالك القوم الآخرين، وهم فرعون وجنوده، فتبعوهم.
وأنجينا موسى وبني إسرائيل أجمعين بخروجهم إلى الضفة الأخرى من البحر في يوم عاشوراء، ثم أغرقنا فرعون وجنوده في الماء، بإطباق البحر عليهم.
ونبّه الله على موضع العبرة بقوله: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً} أي إن في هذا الحدث العجيب لعظة دالّة على قدرة الله تعالى وتوفيقه، وصدق موسى عليه السّلام، بإنجاء المؤمنين، وإهلاك الكافرين.
ولم يكن أكثر الباقين في مصر من القبط من أهل الإيمان بالله تعالى، وأما بنو إسرائيل: فعلى الرغم مما أنعم الله عليهم من النّجاة والتّحرر والتّملك، فإنهم كذّبوا بحقائق الدين، واتّخذوا العجل إلها، وطلبوا رؤية الله جهرة. وإن الله تعالى لمنتقم من أعدائه، ولقد عزّ في نقمته من الكفار، ورحم المؤمنين من الأمة. وهذا امتحان لبني إسرائيل، وبشارة بنصر النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في مستقبل الأيام القريبة، فما بعد الشدة إلا الفرج، وسيلقى مشركو مكة سوء المصير، وينجي الله المؤمنين بدعوة نبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه.
قصة إبراهيم عليه السّلام:
1- مجادلته قومه حول عبادة الأصنام:
هذه قصة أخرى عقب إيراد قصة موسى مع فرعون، يراد بحكايتها تثبيت النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأهل الإيمان، وإشعار النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم بضرورة التّخلي عن الهمّ والحزن لإعراض المكّيين عن الإيمان بالقرآن الكريم، والاعلام بأن معارضة الرّسل من أقوامهم حالة قديمة، لا يستدعي تجددها شيئا من القلق والضيق. فلقد جادل إبراهيم عليه السّلام قومه في عبادة الأصنام جدال الرجل العاقل الجريء، القوي الحجة، بتفنيد شبهاتهم، وإعلامهم بضرورة التّخلي عن الأصنام، والتّوجه نحو الله عزّ وجلّ، بالإقرار بوجوده ووحدانيته، وقدرته وعظمته، قال الله تعالى واصفا هذا اللون من الجدال القوي:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6